كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال الطيبي‏:‏ قوله عند اللّه خبر إن أي المقسطين مقربون عند اللّه وعلى منابر يجوز كونه خبراً بعد خبر وحالاً من الضمير المستقر في الظرف ومن نور صفة مخصصة لبيان الحقيقة وفي عن يمين الرحمن صفة أخرى لمنابر ويجوز كونه حالاً بعد حال على التداخل‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ في المغازي ‏(‏ن‏)‏ في القضاء ‏(‏عن ابن عمرو بن العاص‏)‏ ولم يخرجه البخاري‏.‏

2122 - ‏(‏إن المكثرين‏)‏ مالاً ‏(‏هم المقلون‏)‏ ثواباً وفي رواية إن الأكثرين هم الأقلون ‏(‏يوم القيامة‏)‏ وحذف تمييز المكثرين والمقلين ليعم هذا المقدر وغيره مما يناسب المقام وهذا في حق من كان مكثراً ولم يتصدق كما دل عليه بقوله ‏(‏إلا من أعطاه اللّه خيراً‏)‏ أي مالاً حلالاً لقوله تعالى ‏{‏إن ترك خيراً‏}‏ ‏(‏فنفح‏)‏ بنون وفاء ومهملة أي أعطى كثيراً بلا تكلف ‏(‏فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه‏)‏ يعني ضرب يديه بالعطاء لفقر الجهات الأربع ولم يذكر ما بقي من الجهات وهو فوق وتحت لندرة الإعطاء من قبلهما وإن كان ممكناً وفسر بعضهم الإنفاق من وراء بالوصية وليس قيداً فيه بل القصد الصحيح الإخفاء ‏(‏وعمل فيه خيراً‏)‏ أي حسنة بأن صرفه في وجوه البر وضروب القربات، وفي سياقه جناس تام في قوله أعطاه اللّه خيراً وفي قوله وعمل فيه خيراً فمعنى الخير الأول المال والثاني القربة فمن وفق لذلك هو الذي يرجى له الفلاح والنجاح وأما من أعطى مالاً ولم يلهم فيه ذلك فهو من الهالكين وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته وقليل ما هم‏.‏

- ‏(‏ق عن أبي ذر‏)‏ الغفاري‏.‏

2123 - ‏(‏إن الملائكة‏)‏ يحتمل أن المراد الكل ويحتمل من في الأرض منهم ‏(‏لتضع أجنحتها‏)‏ جمع جناح بالفتح وهو للطائر بمنزلة اليد للإنسان -لكن لا يلزم أن تكون أجنحة الملائكة كأجنحة الطائر- قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز خفض له جناحه ‏(‏لطالب العلم‏)‏ الشرعي للعمل به وتعليمه من لا يعلمه لوجه اللّه تعالى ‏(‏رضى بما يطلب‏)‏ وفي رواية بما يصنع ووضع أجنحتها عبارة عن حضورها مجلسه ‏[‏ص 393‏]‏ أو توقيره وتعظيمه‏.‏ أو إعانته على بلوغ مقاصده أو قيامهم في كيد أعدائه وكفايته شرهم أو عن تواضعها ودعائها له يقال للرجل المتواضع خافض الجناح قال السيد السمهودي‏:‏ والأقرب كونه بمعنى ما ينظم هذه المعاني كلها كما يرشد إليه الجمع بين ألفاظ الروايات وذلك لأنه سبحانه وتعالى ألزمها ذلك في آدم عليه السلام لما أخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة فسألته على جهة الاستعظام لخلقه أن خلقاً يكون منهم الفساد وسفك الدماء كيف يكون خليفة فقال ‏{‏إني أعلم ما لا تعلمون‏}‏ وقال لآدم عليه السلام ‏{‏أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم‏}‏ تصاغرت الملائكة فرأت فضل آدم فألزمها الخضوع والسجود لفضل العلم فسجدت فتأدبت فكلما ظهر علم في بشر خضعت له وتواضعت إعظاماً للعلم وأهله هذا في طلابه فكيف بأخباره‏.‏

روى النووي في بستانه بإسناده عن زكريا الساجي كنا نمشي في أزقة البصرة إلى بعض المحدثين فأسرعنا المشي ومعنا رجل ماجن فقال ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها - كالمستهزئ - فما زال عن موضعه حتى جفت رجلاه وسقط قال الحافظ عبد القادر الرهاوي‏:‏ إسناد هذه الحكاية كالأخذ باليدين أو كرأي العين لأن رواتها أعلام وراويها إمام، ثم قال النووي بالإسناد إلى الحافظ محمد بن طاهر المقدسي عن أبي داود قال كان في أصحاب الحديث خليع سمع بحديث إن الملائكة تضع أجنحتها إلخ فجعل في نعله ورجله مسامير حديد وقال‏:‏ أريد أطؤ أجنحة الملائكة فأصابته الأكلة في رجله قال‏:‏ وذكر الإمام أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي في شرح مسلم هذه الحكاية وقال فيها فشلت يداه ورجلاه وسائر أعضائه‏.‏

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود ‏(‏عن صفوان بن عسال‏)‏ بمهملتين مشدد‏:‏ المرادي نزيل الكوفة روى عنه ابن مسعود مع جلالته وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لغير الطيالسي ممن هو أشهر وأحق بالعزو وهو تقصير أو قصور بل الصديق الثاني للإمام أحمد الشيباني وابن حبان والحاكم‏.‏

2124 - ‏(‏إن الملائكة لتصافح‏)‏ أي بأيديها أيدي ‏(‏ركاب‏)‏ جمع راكب ‏(‏الحجاج‏)‏ حجاً مبروراً وسبق أن المصافحة إلصاق صفحة الكف بالكف وإقبال بالوجه على الوجه ‏(‏وتعتنق‏)‏ أي تضم وتلتزم ‏(‏المشاة‏)‏ منهم مع وضع الأيدي على العنق والظاهر أن هذا كناية عن مزيد ابتهالهم لهم في الاستغفار والدعاء وأنهم للمشاة أكثر استغفاراً ودعاء ولا مانع من كونه حقيقة ولا يقدح فيه عدم مشاهدتنا لأن الملائكة أنوار هفافة وفيه إيذان بأن الحج ماشياً أفضل وبه قال جمع وفضل آخرون الركوب، ومقصود الحديث الترغيب في الحج والازدياد منه وهل مثل الحاج المعتمر‏؟‏ فيه تأمل‏.‏

- ‏(‏هب عن عائشة‏)‏ قضية صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله هذا إسناد فيه ضعف هذه عبارته فحذفه لذلك من كلامه من سوء التصرف وسبب ضعفه أن فيه محمد بن يونس فإن كان الجمال فهو يسرق الحديث كما قال ابن عدي وإن كان المحاربي فمتروك الحديث كما قال الأزدي وإن كان القرشي فوضاع كذاب كما قال ابن حبان‏.‏

2125 - ‏(‏إن الملائكة لتفرح‏)‏ أي تسر وترضى من الفرح وهو لذة القلب بنيل مراده ‏(‏بذهاب الشتاء‏)‏ أي بانقضاء فصل الشتاء ‏(‏رحمة‏)‏ منهم ‏(‏لما يدخل على فقراء المسلمين‏)‏ وفي رواية رحمة للمساكين وفي رواية لما يدخل على فقراء أمتي ‏(‏فيه من الشدة‏)‏ أي من شدة مقاساة البرد لفقدهم ما يتقون به ولما يلحقهم من مشقة التطهر بالماء البارد فيه ولذلك قال الزمخشري عن بعض التابعين وضوء المؤمن في الشتاء يعدل عبادة الرهبان كلها وعن بعضهم البرد عدو الدين وتقول العرب الشتاء ذكر والصيف أنثى لقسوة الشتاء وشدة غلظته ولين الصيف وسهولة شكيمته قال الزمخشري‏:‏ وعادتهم أن يذكروا الشتاء في كل صعب قاس والصيف وإن تلظى قيظه وحمى صلاؤه وعظم بلاؤه فهو بالإضافة إلى الشتاء هوله هين على الفقراء لما يلقونه فيه من الترح والبؤس ولهذا قيل لبعضهم ما أعددت للبرد قال‏:‏ ‏[‏ص 394‏]‏ طول الرعدة وفظاظة الشدة وقال الأصمعي رأيت أعرابياً قد حفر قربوصاً وقعد فيه في أول الشتاء قلت ما صيرك كذلك قال شدة البرد ثم قال‏:‏

يا رب هذا البرد أصبح كالحاً * وأنت بصير عالم ما نعلم

لئن كنت يوماً في جهنم مدخلي * ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم

وقال بعضهم‏:‏

شتاء تقلص الأشداق منه* وبرد يجعل الولدان شيباً

وأرض تزلق الأقدام فيها * فما يمشي بها إلا الدبيبا

وقال أبو عوانة‏:‏ الشتاء في أوله أضر منه في آخره قال علي كرم اللّه وجهه توقوا البرد في أوله وتلقوه في آخره فإنه يفعل بالأبدان كفعله في الأشجار أوله يحرق وآخره يورق، وأخرج المقريزي بسنده عن ابن عمر يرفعه خير صيفكم أشده حراً وخير شتائكم أشده برداً وإن الملائكة لتبكي في الشتاء رحمة لبني آدم، وأخرج أيضاً عن قتادة لم ينزل عذاب قط من السماء على قوم إلا عند انسلاخ الشتاء وعن عمر بن العلاء إني لأبغض الشتاء لنقص الفروض وذهاب الحقوق وزيادة الكلفة على الضعفاء‏.‏ دخل أعرابي خرسان فلقيه الشتاء فأقام بسمرقند فلما طاب الزمان عاد إلى البصرة فسأله أميرها عن خراسان فقال جنة في الصيف جهنم في الشتاء فقال‏:‏ صف لي الشتاء بها قال‏:‏ تهب الرياح وتضجر الأرواح وتدوم الغيوم وتسقط الثلوج ويقل الخروج وتفور الأنهار وتجف الأشجار والشمس مريضة والعين غضيضة والوجوه عابسة والأغصان ناعسة والمياه جامدة والأرض هامدة وأهلها يفرشون اللبود ويلبسون الجلود نيرانهم تنور ومراجلهم تفور لحاهم صفر من الدخان وثيابهم سود من النيران فالمواشي من البرد كالفراش المبثوث والجبال من الثلج كالعهن المنفوش فأما من كثرت نيرانه وخفت ميزانه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية فقال الأمير‏:‏ ما تركت عذاباً في الآخرة إلا وصفته لنا في الدنيا‏.‏ وقال كعب الأحبار‏:‏ أوحى اللّه تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام أن تأهب للعدو وقد أضلك قال يا رب ومن عدوي وليس يحضرني قال الشتاء‏.‏ وعن الأصمعي كانت العرب تسمي الشتاء الفاضح فقيل لامرأة منهم أيما أشد عليكم‏:‏ القيظ أم القر‏؟‏ فقالت يا سبحان اللّه من جعل البؤس كالأذى فجعلت الشتاء بؤساً والقيظ أذى‏.‏ ثم إن هذا الحديث لا يعارضه خبر الديلمي عن أنس إن الملائكة لتفرح للمتعبدين في أيام الشتاء نهار قصير للصائم وليل طويل للقائم‏.‏ اهـ‏.‏ لأن جهة الفرح والترح مختلفة‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ قال الهيثمي في رجاله معلى بن ميمون متروك وفي الميزان معلى بن ميمون ضعيف الحديث قال النسائي والدارقطني متروك وأبو حاتم ضعيف الحديث وابن عدي أحاديثه مناكير ثم ساق منها هذا الحديث وفيه أيضاً في ترجمة سعيد بن دهيم إنه خبر منكر وفي اللسان عن العقيلي غير محفوظ قال ولا يصح في متنه شيء‏.‏

2126 - ‏(‏إن الملائكة‏)‏ أي ملائكة الرحمة والبركة أو الطائفين على العباد للزيارة واستماع الذكر ونحوهم لا الكتبة فإنهم لا يفارقون المكلف طرفة عين وكذا ملائكة الموت لا تدخل بيتاً يعني مكاناً بيناً أو غيره فيه تماثيل جمع تمثال، وهي الصورة المصورة كما في الصحاح وغيره فالعطف للتفسير في قوله ‏(‏أو صورة‏)‏ أي صورة حيران تام الخلقة لحرمة التصوير ومشابهته بيت الأصنام وذلك لأن المصور يجعل نفسه شريكاً للّه في التصوير وهذا يفيد تحريم اتخاذ ذلك وتشديد النكير في شأنه وقد ورد في النهي أحاديث كثيرة‏.‏

- ‏(‏حم ت حب عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

2127 - ‏(‏إن الملائكة لا تدخل بيتاً‏)‏ يعني محلاً ‏(‏فيه كلب‏)‏ لنجاسته فأشبه المبرز وهم منزهون عن محل الأقذار إذ هم أشرف خلق اللّه وهم المكرمون المتمكنون في أعلى مراتب الطهارة ويبنهما تضاد ما بين النور والظلمة ومن سوّى نفسه بالكلاب فحقيق أن تنفر منه الملائكة، وتعليلهم بذلك يعرفك أنه لا اتجاه لزعم البعض أنه خاص بكلب يحرم ‏[‏ص 395‏]‏ اقتناؤه بخلاف كلب نحو صيد أو زرع والكلب في الأصل اسم لكل سبع عقور ومنه خبر أما يخاف أن يأكله كلب اللّه فجاء الأسد فاقتلع هامته ثم غلب على هذا النوع النابح ‏(‏ولا صورة‏)‏ لأن الصورة فيها منازعة للّه تعالى وهو الخالق المصور وحده فعدم دخولهم مكاناً هما فيه لأجل عصيان أهله‏.‏

قال الغزالي‏:‏ القلب بيت هو منزل الملائكة ومهبط آثارهم ومحل استقرارهم والصفات الرديئة كالغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة فأين تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب قال‏:‏ ولست أقول المراد بلفظ البيت القلب وبالكلب الغضب والصفات المذمومة بل أقول هو تنبيه عليه ودخول من الظواهر إلى البواطن مع تقرير الظواهر فبهذه الدقيقة فارق الباطنية فإن هذا طريق الاعتبار ومسلك الأئمة الأبرار، ومعنى الاعتبار أن تعبر مما ذكر إلى غيره فلا تقتصر عليه أي ما ذكر قال ولا تظن أن هذا الأنموذج وطريق ضرب الأمثال رخصة مني في دفع الظواهر واعتقاداً في إبطالها حتى أقول لم يكن مع موسى نعلان ولم يسمع الخطاب بقوله ‏{‏اخلع نعليك‏}‏ وحاش للّه فإن إبطال الظواهر رأى الباطنية الذين نظروا بالعين العوراء إلى أحد العالمين ولم يعرفوا الموازنة بين العالمين ولم يفهموا وجهه كما أن إبطال الأسرار مذهب الحشوية فالذي يجرد الظاهر حشوي والذي يجرد الباطن باطني والذي يجمع بينهما كامل ولذلك ورد للقرآن ظاهر وباطن وحد ومفطع بل أقول فهم موسى عليه السلام من الأمر بخلع النعلين إطراح الكونين فامتثل الأمر ظاهراً لخلع نعليه وباطناً بطرح العالمين فهذا هو الاعتبار أي العبور من الشيء إلى غيره ومن الظاهر إلى السر، وفرق بين من يسمع قول المصطفى صلى اللّه عليه وسلم هنا الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب فيقتنى الكلب في البيت ويقول ليس الظاهر مراداً بل المراد تخلية بيت القلب عن كلب الغضب لأنه يمنع المعرفة التي هي من أنوار الملائكة إذ الغضب غول العقل، وبين من يمتثل الأمر في الظاهر ثم يقول الكلب ليس كلباً لصورته بل لمعناه وهو السبعية والضراوة وإذا كان حفظ البيت الذي هو مقر الشخص والبدن واجباً عن صورة الكلب فلأن يجب حفظ بيت القلب وهو مقر الجوهر الحقيقي الخاص عن سر الكلبية أولى فأنا أجمع بين الظاهر والسر فهذا هو الكمال وهو المعني بقولهم الكامل من لا يطفىء نور معرفته نور ورعه انتهى كلام الغزالي وذكر الدخول والبيت غالبي وهذا اللفظ عام لكن خص بما هو غير منبوذ يوطأ ويداس فإن الرخصة وردت فيه‏.‏

- ‏(‏ه عن علي‏)‏ أمير المءمنين رضي اللّه تعالى عنه وهو بمعناه في مسلم من حديث ابن عباس‏.‏

2128 - ‏(‏إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر‏)‏ الإنسان ‏(‏بخير‏)‏ -قوله بخير أي ببشر بل يوعدونه بالعذاب الشديد والهوان الوبيل ويحتمل أن الباء في قوله بخير ظرفية بمعنى في كقوله تعالى ‏{‏نجيناهم بسحر‏}‏ أي في سحر أي لا تحضر الملائكة جنازة الكافر إلا في حضور شر ونزول بؤس به وقال المناوي لا تحضر جنازة الكافر بخير فعل معه فستره وأنكره، وقيل الذي لا تحضره الملائكة هو الذي لا يتوضأ بعد الجنابة وضوءاً كاملاً وقيل هو الذي يتهاون في غسل الجنابة فيمكث من الجمعة إلى الجمعة لا يغتسل إلا للجمعة ويحتمل أن يراد الجنب الذي لم يستعذ باللّه من الشيطان عند الجماع ولم يقل ما وردت به السنة للّهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإن لم يقله يحضره الشيطان ومن حضرته الشيطان تباعدت عنه الملائكة- فعل معه فجحده ‏(‏ولا المتمضخ‏)‏ أي الإنسان المتلطخ ‏(‏بالزعفران‏)‏ لحرمة ذلك على الرجل لما فيه من الرعونة والتشبه بالنساء وقرن بالكافر لاتباعه هواه ومخالفته ‏(‏ولا الجنب‏)‏ الذي اعتاد ترك الغسل تهاوناً به حتى يمر عليه وقت صلاة ولم يغتسل لاستخفافه بالشرع ومن امتنع عن عبادة ربه وتقاعد عنها فهو ملحق بمن عبد غير اللّه تغليظ لأن الخلق إنما خلقوا لعبادته فليس المراد أي جنب كان ‏[‏ص 396‏]‏ لما ثبت أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم كان ينام جنباً ويطوف على نسائه بغسل واحد وزعم أن المراد بالجنب من زنا‏:‏ بعيد من السياق وتقييد للإطلاق بلا دليل‏.‏ قال القاضي‏:‏ والجنب الذي أصابته الجنابة يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع لجريانه مجرى المصدر‏.‏

- ‏(‏حم د عن عمار بن ياسر‏)‏ بمثناة تحتية ومهملة مكسورة-قال قدمت على أهلي ليلاً وقد تشققت يداي أي من كثرة العمل فخلقوني بزعفران فقدمت على النبي صلى اللّه عليه وسلم فسلمت فلم يردّ عليّ ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل هذا عنك فذهبت فغسلته ثم جئت وقد بقي عليّ منه درع - بالدال والعين المهملتين - أي لطخ من بقية لون الزعفران لم يعمه كل الغسل فسلمت عليه فردّ عليّ ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل هذا عنك فذهبت فغسلته ثم جئت فسلمت عليه فردّ عليّ ورحب بي وقال إن الملائكة‏:‏ فذكره-

2129 - ‏(‏إن الملائكة لا تزال تصلي على أحدكم‏)‏ أي تستغفر له ‏(‏ما دامت مائدته موضوعة‏)‏ أي مدة دوام وضعها للأضياف ونحوهم والمائدة ما يمد ويبسط عليه الطعام كمنديل وثوب وسفرة قال القاضي‏:‏ المائدة الخوان إذا كان عليه طعام من ماد الماء يميد إذا تحرك أو ماده إذا أعطاه كأنه يميد من يقدم عليه ونظيره شجرة مطعمة انتهى وظاهر الخبر أن الأكل على المائدة محبوب لا مرهوب، وكأني بك تقول يشكل بقولهم لم يأكل المصطفى صلى اللّه عليه وسلم على خوان فنقول كلا لا إشكال إذ المائدة ما يمد للأكل عليه كما تقرر وأما الخوان فهو المرتفع من الأرض بقوائمه والسفرة ما أسفر عما في جوفه لأنها مضمونة بمعاليقها ثم إن سؤال الملائكة ربهم أن يغفر لعبده من الأسباب الموجبة للمغفرة له فهو سبحانه نصب الأسباب التي يفعل بها ما يشاء بأوليائه وأعدائه وجعلها أسباباً لإرادته كما جعلها أسباباً لوقوع مراده فمنه السبب والمسبب وإذ أشكل عليك فانظر إلى الأسباب الموجبة لمحبته وغضبه فهو يحب ويرضى ويغضب والكل منه وإليه وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد وفيه حث على الجود وكثرة الإطعام‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي في النوادر ‏(‏عن عائشة‏)‏ ورواه عنه أيضاً الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور عن عائشة، فاقتصار المؤلف على الحكيم غير مرضي وجزم الحافظ العراقي كالمنذري بضعفه وقال البيهقي في الشعب بعد ما خرجه تفرد به بندار بن علي‏.‏

2130 - ‏(‏إن الملائكة صلت على آدم‏)‏ أي بعد موته صلاة الجنازة ‏(‏فكبرت عليه أربعاً‏)‏ من التكبيرات وهذا يوضحه ما رواه الحاكم عن رفعة لما أحضر آدم قال لبنيه انطلقوا فاجنوا لي من ثمار الجنة فخرجوا فاستقبلتهم الملائكة وقالوا ارجعوا فقد كفيتم فرجعوا معهم فلما رأتهم حواء ذعرت وجعلت تدنو إلى آدم عليه الصلاة والسلام وتلتصق به فقال إليك عني فمن قبلك أتيت خلي بيني وبين ملائكة ربي فقبضوا روحه ثم غسلوه وحنطوه وكفنوه وصلوا عليه ثم حفروا له ودفنوه ثم قالوا يا بني آدم هذه سنتكم في موتاكم فافعلوا، وفيه أن صلاة الجنازة ليست من خصائصنا لكن حمله بعضهم على الأصل لا الكيفية‏.‏

- ‏(‏الشيرازي‏)‏ في الألقاب ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ ورواه عنه أيضاً الخطيب باللفظ المذكور ورواه الطبراني بلفظ إن الملائكة غسلت آدم عليه الصلاة والسلام وكبرت عليه أربعاً وقالوا هذه سنتكم يا بني آدم ورواه الدارقطني عن أبي بن كعب بلفظ إن الملائكة صلت على آدم فكبرت عليه أربعاً وقالوا هذه سنتكم يا بني آدم‏.‏ قال الفرياني‏:‏ وفيه داود بن المحبر وضاع عن رحمة بن مصعب قال ابن معين ليس بشيء وله طريق أخرى فيها خارجة‏.‏

2131 - ‏(‏إن الموت فزع‏)‏ بفتح الزاي قال البيضاوي‏:‏ مصدر وصف به للمبالغة أو تقديره ذو فزع أي خوف قال ‏[‏ص 397‏]‏ ويؤيد الثاني رواية إن للموت فزعاً أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس قال وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلل الأمل من أجلها ويضطرب ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة ‏(‏فإذا رأيتم الجنازة فقوموا‏)‏ ندباً لتهويل الموت قال القاضي‏:‏ الباعث على القيام أحد أمرين إما ترجيب الميت وتعظيمه وإما تهويل الموت وتفظيعه والتنبيه على أنه بحال ينبغي أن يقلق ويضطرب من رأى ميتاً استشعاراً منه ورعباً ويشهد للثاني قوله فإذا رأيتم إلخ لأن ترتب الحكم على الوصف سيما إذا كان بالغاً يدل على أن الوصف علة للحكم انتهى وفي رواية إن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم قام لجنازة فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه يهودي قال أليس نفساً قال النووي في شرح مسلم ومشهور ومذهبنا أن القيام غير مستحب قالوا هو أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم كان يقوم ثم تركه وبه أي بمذهب الشافعي قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة يكره القعود حتى توضع وفي المحيط للحنفية الأفضل أن لا يقعد حتى يهال عليها التراب‏.‏

- ‏(‏حم م ه‏)‏ في الجنائز ‏(‏عن جابر‏)‏ قال مرت جنازة فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقمنا معه فقلنا يا رسول اللّه إنها يهودية فذكره ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ‏.‏

2132 - ‏(‏إن الموتى ليعذبون‏)‏ أي من يستحق العذاب منهم ‏(‏في قبورهم‏)‏ فيه شمول للكفار ولعصاة المؤمنين ‏(‏حتى إن البهائم‏)‏ جمع بهيمة والمراد بها هنا ما يشمل الطير ‏(‏لتسمع أصواتهم‏)‏ وخصوا بذلك دوننا لأن لهم قوة يثبتون بها عند سماعه بخلاف الإنس وصياح الميت بالقبر عقوبة معروفة وقد وقعت في الأمم السالفة وقد تظاهرت الدلائل من الكتاب والسنة على ثبوت عذاب القبر وأجمع عليه أهل السنة وصح أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سمعه بل سمعه آحاد من الناس قال الدماميني رجمه اللّه‏:‏ وقد كثرت الأحاديث فيه حتى قال غير واحد إنها متواترة لا يصح عليها التواطؤ وإن لم يصح مثلها لم يصح شيء من أمر الدين وليس في آية ‏{‏لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى‏}‏ ما يعارضه لأنه أخبر بحياة الشهداء قبل القيامة وليست مرادة بقوله ‏{‏لا يذوقون فيها‏}‏ الآية فكذا حياة القبور قبل الحشر وأشكل ما في القصة أنه إذا ثبتت حياتهم لزم ثبوت موتهم بعد هذه الحياة ليجتمع الناس كلهم في الموت وينافيه قوله ‏{‏لا يذوقون فيها‏}‏ الآية‏.‏ وجوابه أن معنى قوله ‏{‏لا يذوقون فيها الموت‏}‏ أي ألم الموت فيكون الموت الذي يعقب الحياة الأخروية بعد الموت الأول لا يذاق ألمه‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن مسعود‏)‏ قال الهيثمي سنده حسن وقال المنذري إسناده صحيح‏.‏

2133 - ‏(‏إن الميت ليعذب ببكاء الحي‏)‏ والمعنى هو البكاء المذموم بأن اقترن بنحو ندب أو نوح وكان متسبباً عن وصيته -أي كما هو عادة الجاهلية كقول طرفة بن العبد لزوجته‏:‏ إذا مت فانعيني بما أنا أهله * وشقي عليّ الجيب يا أم معبد- أو أراد بالميت المشرف على الموت والتعذيب أنه إذا احتضر والناس حوله يصرخون ويتفجعون يزيد كربه وتشتد عليه سكرات الموت فيصير معذباً به قال العراقي‏:‏ والأولى أن يقال سماع صوت البكاء هو نفس العذاب كما أنا نعذب ببكاء الأطفال فالحديث على ظاهره بغير تخصيص وصوبه الكرماني وقال في باقي الوجوه تكلف وقيل أراد بالتعذيب توبيخ الملائكة له بما يوصفه أهله به أو تألمه بما يقع من أهله قال بعض الأعاظم وبما تقرر عرف خطأ من حمد عندما سمع ‏{‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏}‏ أو غلط رواة هذا الخبر وما هو على نحوه من صحاح الأخبار التي رواها الأعلام عن الأعلام إلى الفاروق وابنه وغيرهما، قال ابن تيمية‏:‏ وعائشة أم المؤمنين لها مثل هذا نظائر ترد الحديث بنوع من التأويل والاجتهاد واعتقادها بطلان معناه ولا يكون الأمر كذلك إلى هنا كلامه‏.‏

- ‏(‏ق عن عمر‏)‏ بن الخطاب لكنه في البخاري بعض حديث ولفظه ‏"‏إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه‏"‏ ومسلم رواه مستقلاً بهذا اللفظ فجعله في الجمع بين الصحيحين من أفراد مسلم سهو نشأ عن عدم تأمل ما في البخاري لكونه في ذيل حديث قال المصنف هذا متواتر‏.‏

‏[‏ص 398‏]‏ 2134 - ‏(‏إن الميت‏)‏ ولو أعمى ‏(‏يعرف من يحمله‏)‏ من محل موته إلى مغتسله ‏(‏ومن يغسله‏)‏ ومن يكفنه ‏(‏ومن يدليه في قبره‏)‏ ومن يلحده فيه وغير ذلك وإنما نبه بالمذكورات على ما سواها وذلك لأن الموت ليس بعدم محض والشعور باق حتى تمام الدفن حتى أنه يعرف زائره كما في عدة آثار بل في بعض الأخبار ونقل القرطبي عن ابن دينار أنه ما من ميت يموت إلا وروحه في يد ملك ينظر إلى بدنه كيف يغسل ويكفن وكيف يمشي به وكيف يقبر قال ويقال له على سريره اسمع ثناء الناس عليك ذكره أبو نعيم وحكى النووي في بستانه أن الفقيه محمداً النووي مات فقرأ له ختمة قرآن فرآه فقال له أنت في الجنة قال اليوم لا ندخلها بل نتنعم في غيرها أي وإنما ندخلها بعد الساعة فلا يدخلها اليوم إلا الأنبياء والشهداء قال فقلت له جاء أن الروح ترجع للبدن قبل سؤال منكر ونكير فهل رجوعها للبدن بعد الوضع في القبر أو قبله حال حمل الميت على النعش قال بعد الوضع في القبر فإن قلت هذا يناقضه خبر إن الروح إذا قبض صعد بها الملائكة حتى تجاوز السماوات السبع فتوقف بين يدي اللّه وتسجد له قلت لا تعارض لإمكان أن يصعد بها حتى يقضي اللّه فيها قضاءه ثم يهبط ليشهد غسله وحمله ودفنه وإنما يغلط أكثر الناس في هذا وأمثاله حيث يعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام الذي إذا شغلت مكاناً لا يمكن أن تكون بغيره بل الروح لها اتصال بالبدن والقبر وجرمها في السماء كشعاع الشمس ساقط بالأرض وأصله متصل بالشمس‏.‏

قال الغزالي‏:‏ إنما يشاهد غسله ودفنه من كان على شريعتنا أما المشرك فلا يرى شيئاً من ذلك لأنه قد هوى به وأخرج ابن أبي الدنيا عن امرأة أيوب بن عتبة قالت رأيت سفيان بن عيينة في النوم فقال جزى اللّه أخي أيوب عني خيراً فإنه يزورني كثيراً وقد كان عندي اليوم فقال أيوب نعم حضرت اليوم جنازة فوهبت لقبره وأفتى الحافظ ابن حجر أن الميت يعلم من يزوره فإن الأرواح مأذون لها في التصرف وتأوي إلى محلها في عليين أو سجين ومن يستبعد ذلك قياسه له على المشاهدة من أحوال الدنيا وأحوال البرزخ لا تقاس على ذلك‏.‏

- ‏(‏حم عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال الهيثمي فيه رجل لم أجد من ترجمه اهـ وظاهر حاله أنه لم ير فيه ممن يحمل عليه إلا ذلك للمجهول وهو غير مقبول ففيه إسماعيل بن عمرو البجلي وأورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفوه عن فضيل بن مرزوق وقال أعني الذهبي وضعفه ابن معين عن عطية فإن كان العوفي فضعفوه أيضاً وابن عارض فلا يعرف أو الطفاوي فضعفه الأزدي وغيره‏.‏

2135 - ‏(‏إن الميت إذا دفن سمع حفق نعالهم‏)‏ أي قعقعة نعالهم أي المشيعين له ‏(‏إذا ولوا عنه منصرفين‏)‏ في رواية مدبرين زاد أبو نعيم في روايته فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه والصيام عن يمينه والزكاة عند يساره وفعل الخيرات عند رجليه انتهى قال ابن القيم‏:‏ والحديث نص في أن الميت يسمع ويدرك وقد تواترت الأخبار عنهم بذلك وإذا كان يسمع قرع النعال فهو يسمع التلقين فيكون مطلوباً واتصال العمل به في سائر الأعصار والأمصار من غير إنكار كاف في طلبه وعورض بقوله تعالى ‏{‏وما أنت بمسمع من في القبور‏}‏ وأجيب بأن السماع في حديثنا مخصوص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال فيه‏.‏